الدروس والعبر المستفادة من قصة النبي يوسف عليه السلامـ: "رحلة في اعماق الصبر والفرح"
قصة نبي الله يوسفـ " هدى رباني ونور قرآني"
بهذه الآية الكريمة من سورة نبي الله يوسف عليه السلام، التي تطل علينا كشمس منيرة في سماء القيادة الإلهية، هدى ورحمة إلى الصراط المستقيم، ولتوضح لنا أن القيادة الحقيقة تنبع من القلب الرحيم والنفس المطمئنة لربها.
في وقتنا الحالي، ومع كثرت المناهج القيادية المادية، مازالت قصة نبي الله يوسف عليه السلام مدرسة قرآنية كاملة، للقادة الربانيين الذين يجمعون بين ثبات الإيمان وحكمة التدبير من القرآن الكريم.
فقه التعامل مع الأقدار: "من البئر إلى الوزارة في قصة نبي الله يوسف"
"قال تعالى" {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [يوسف: 21]
تعلمنا قصة نبي الله يوسف عليه السلام، أن نرى حكمة الله البالغة في تقدير الأحداث وتسييرها، فالبئر الذي ظنه إخواته أنه نهايته، كان بداية رحلته إلى تحقيق وعد الله تعالى في مصر، لقوله تعالى {لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَٰذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} [يوسف: 15].
يُمَثِّل انتقال نبي الله يوسف من الْجُبّ إلى القصر نموذجا فريدا في القيادة الربانية، حيث تجلت حكمت الله في صياغة قائد رباني يحمل هم الأمة.
هنا يأتي سؤال مهم؟ كيف انتقل نبي الله يوسف عليه السلام من ضيق الْجُبّ إلى سعة القصر؟ وما الدروس المستفادة من القصة، دعنا نستخلصها من هذه الرحلة الإيمانية العظيمة.
المرحلة الأولى: قيادة الذات بالصبر( من الجب إلى القصر)
عندما كان نبي الله يوسف في غيابات الْجُبّ، تعلم يوسف قيادة الذات قبل قيادة الأخرين رغم صغر سنه، فكانت هذه المحنة مدرسة للإيمان، حيث تعلم منها أن التوكل الحقيقي هو التوكل على الله.
المرحلة الثانية: قيادة القيم بالأخلاق"(محنة امرأة العزيز)"
عندما راودته امرأة العزيز عن نفسه، اختار القيادة بالعفة، مقدماً نمودجاً للقائد الذي لا تغريه المغريات، وختياره للسجن على الفاحشة كان تطبيقا للحديث النبوي الشريف "لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ هَوَاهُ تَبَعًا لِمَا جِئْتُ بِهِ".
المرحلة الثالثة: قيادة العقول بالعلم(تفسير الأحلام في السجن)
في السجن، برزت حكمت نبي الله يوسف من خلال تفسير الأحلام لقوله تعالى {وَدَخَلَ_ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ ۖ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا ۖ وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ ۖ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ ۖ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} (يوسف: 36).
المرحلة الرابعة: القيادة بالعدل(إدارة خزائن مصر)
بعد أن تسلم نبي الله يوسف خزائن مصر، طبق القيادة بالكفاءات، مجسداً قوله تعالى {إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ}.
الدروس المستفادة من قصة النبي يوسف لبناء الحضارة:
الدرس الاول: قيادة الذات في ظل التحديات
طريقة تعامل نبي الله يوسف مع محنة البئر، تعلمنا كيف نقود أنفسنا في أصعب الظروف، لأن القائد هو من يحول محنته إلى درس يتعلم فيه الصبر و الثبات.
الدرس الثاني: ثبات الأخلاق في زمن الإغراءات
عندما راودت امرأة العزيز يوسف، قدم لنا درست للقائد الذي تثبت مبادئه أمام المغريات، وهذا يعلمنا أن القيادة الحقيقة تقاس بقوة الأخلاق لا بقوة السلطة.
الدرس الثالث: القيادة العملية في مواجهة التحديات
من خلال تفسير نبي الله يوسف للأحلام في السجن، نتعلم أن القائد الناجح هو من يستخدم علمه وخبرته في خدمة الآخرين.
الدرس الرابع: فن إدارة الأزمات
طريقة تخطيط يوسف لمواجهة سنوات القحط، تقدم لنا افضل نمودجاً للقائد المستشرف للمستقبل، لوضعه خطط إستباقية وتوقع التحديات قبل وقوعها.
الدرس الخامس: العدل في إدارة المؤسسات
عندما طلب يوسف قيادة الوزارة مؤكداً على كفاءته، نتعلم أن القيادة الناجحة تقوم على الجدارة والتخصص.
الدرس السادس: القيادة بين العبادة والعمل
رغم كل شيء لم يفصل نبي الله يوسف بين عبادته لربه وقيادته لدولة، فقد جمع بين النبوة والوزارة، مظهراً أن العمل الدنيوي يمكن أن يكون عبادة عندما يقترن بالإخلاص والإتقان.
الدرس السابع: القيادة بين الحق والرحمة
عندما قابل نبي الله يوسف إخوته بالعفو، رغم ما فعلوه به، لم يتجبار عليهم، بل قال {لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ}، ليقدم لنا نمودجاً في القيادة الرحيمة التي تجمع بين الحق والرحمة.
خاتمة: دروس خالدة من القرآن الكريم
والله ما أحوج أمتنا اليوم إلى استلهام الدروس المستفادة من سورة يوسف في قيادة ٱمتها، قيادة تجمع بين طهارة القلب وحكمة العقل، وبين فقه الواقع وثبات المبادئ، بين الفوز في الدنيا والآخرة.
{رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ ۚ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۖ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ}.
.png)
.png)
%20(1).png)